-A +A
فتحي حسن عطوة (القاهرة)
بعد ان استعرضنا في الجزء الاول من هذه الدراسة اهم التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة من تاريخ العمل السياسي والتي تتمثل في التحديات الامنية ومكافحة ظاهرة الارهاب وتسريع التكامل الاقتصادي.. ويتطرق هذا الجزء الى سياسات المجلس وتوجهات تجاه العمل المشترك من ناحية وتجاه التعامل مع القضايا الاقليمية والدولية من جهة اخرى.
تتمسك دول مجلس التعاون بمبادرة السلام العربية، التي أقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، كأساس لأي تحرك يهدف إلى تحقيق السلام العادل والشامل في إطار الشرعية الدولية، انطلاقا من القناعة بأن السلام خيار استراتيجي للأمة العربية.
كما رحبت دول المجلس بخطة «خارطة الطريق»، التي تنص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والتوصل إلى إقامة دولة فلسطينية، وتنفيذ الالتزامات التي بنيت على أساس مؤتمر مدريد، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقرارات الشرعية الدولية. وكما ساندت دول مجلس التعاون جهود الدول راعية عملية السلام، والمجتمع الدولي لتنفيذ خطة خارطة الطريق، بالتوافق مع أسس مبادرة السلام العربية.
وضمن السياق ذاته، رحبت دول المجلس بتبني مجلس الأمن، بالإجماع، في شهر نوفمبر 2003، القرار رقم 1515، القاضي بدعم «خارطة الطريق» الهادفة إلى التوصل إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بإقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب بأمن وسلام، والتأكيد على ضرورة تحقيق سلام شامل ودائم لكافة الأطراف، بما في ذلك سوريا ولبنان. هذا فضلا عن جهود دول المجلس في دعم لبنان والسودان والصومال، وغيرها من القضايا العربية.
الإنجازات على الصعيد العسكري والصعيد الأمني، متمثلا في قوة درع الجزيرة، وقد صدر قـرار إنشاء القوة بتاريخ 23 ذوالحجة 1402هـ الموافق 10 أكتوبر 1982م، وفي وقت لاحق صدرت قرارات بتطوير هذه القوة لتصبح فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها الناري و القتالي. ثم اتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون، التي وقّع عليها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون في الدورة الحادية والعشـرين للمجلس الأعلى التي عقدت بمملكـة البحرين خلال المدة من 4-5 شوال 1421هـ الموافق 20-21 ديسمبر 2000م، كما شهد مجال التنسيق والتعاون الأمني خطوات وإنجازات متقدمة شملت مختلف المجالات الأمنية، أهمها : الاتفاقية الأمنية الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون عبارة عن مواد قانونية تعالج قضايا التعاون الأمني بين دول المجلس، وهي إلزامية لمن وقع عليها وصادق عليها وفق نصوص موادها. وقد وقع عليها أصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية في كل من دولة الإمارات العربيـة المتحدة، ومملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان في اجتماعهم الثالث عشر في الرياض، كما بارك المجلس الأعلى في دورته الخامسة عشرة في مملكـة البحرين (ديسمبر 1994م) هذه الخطوة داعياً بقية الدول الأعضاء إلى التوقيع على الاتفاقية في أقرب وقت ممكن. وفي المجال الأمني أيضا تم إقرار الإستراتيجية الأمنية الشاملة في الاجتماع الاستثنائي الثاني لوزراء الداخلية الذي عقد في مسقط بتاريخ 15 فبراير 1987م، وصادق عليها المجلس الأعلى في دورته الثامنة في الرياض. وهي عبارة عن إطار عام للتعاون الأمني بين الدول الأعضاء بمفهومه الشامل. ولهذه الإستراتيجية أهداف عامة، كما حددت وسائل تنفيذها.

الانجازات في مجال المواطنة
تعرّف المواطنة الاقتصادية اليوم بأنها تحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في كافة المجالات الاقتصادية في جميع الدول الأعضاء. إلا أن مفهوم المواطنة مرّ بعدة تطورات في تاريخ العمل الاقتصادي المشترك لمجلس التعاون، فقد نصت المادة (8) من اتفاقية عام 1981 على أربعة مجالات فقط، على سبيل الحصر، يتعين تحقيق المواطنة الاقتصادية، أو المساواة في المعاملة فيها، وهي:
- حرية الانتقال والعمل والإقامة.
- حق التملك والإرث والإيصاء.
- حرية ممارسة النشاط الاقتصادي.
- حرية انتقال رؤوس الأموال.
وخلال العقدين الأولين من قيام مجلس التعاون تم تطبيق المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في العديد من المجالات المنصوص عليها في الاتفاقية، حيث تبنّت دول المجلس قرارات مهمة في هذا الشأن تنص على فتح المجال لمواطني الدول الأعضاء لممارسة النشاط الاقتصادي في أي من دول المجلس على قدم المسـاواة مع مواطنيها ضمن ضوابط معينة لكـل مجال اقتصادي، وذلك من خلال المنهج التدريجي الذي تبنته الاتفاقية الاقتصادية لعام 1981 واقتضته ظروف تلك المرحلة من بداية العمل المشترك.
إلا أنه اتضح لدى التطبيق الفعلي أن بعض هذه الضوابط صعبة التطبيق وأدّت إلى إحجام مواطني دول المجلس عن الاستفادة من قرارات المجلس الأعلى التي تمنحهم حق المساواة في المعاملة في تلك المجالات الاقتصادية. ورغبة في نقل العمل المشترك من مرحلة التنسيق والتعاون إلى التكامل، فإن التوجه الذي تتبناه الاتفاقية الاقتصادية لعام 2001 يميل إلى التطبيق المباشر لمبدأ المساواة الكاملة في المعاملة في جميع المجالات الاقتصادية.
وتتضمن المادة (3) أهم نص في الاتفاقية الاقتصادية لعام 2001 بخصوص المواطنة الاقتصادية والذي يحتوي على هذا التوجه الجديد، حيث تنص المادة على التطبيق المباشر لمبدأ المساواة الكاملة في المعاملة لجميع مواطني دول المجلس وذلك عن طريق ضمان مبدأ معاملة مواطني دول المجلس المقيمين في أي من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها «دون تفريق أو تمييز» في «كافة المجالات الاقتصادية»، ويشمل ذلك المواطنين الطبيعيين والاعتباريين.
ويتضح المنهج الجديد في قرار الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الأعلى (ديسمبر2002)، الذي وضع برنامجاً زمنياً لاستكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة على النحو التالي:
أ- يتم تطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال العمل في القطاعات الأهلية، ومجال تملك وتداول الأسهم وتأسيس الشركات، وإزالة القيود التي قد تمنع من ذلك، في موعد أقصاه نهاية عام 2003م.
ب- يتم تطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال العمل في القطاعات الحكومية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وإزالة القيود التي قد تمنع من ذلك، في موعد أقصاه نهاية عام 2005م.
ج- تستكمل اللجان المختصة جميع المتطلبات اللازمة لضمان تحقيق السوق الخليجية المشتركة في موعد أقصاه نهاية عام 2007م. ويعني هذا الجدول الزمني المضي قدماً في كافة إجراءات تحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلـس في جميع المجالات المنصوص عليها في الاتفاقية، وفق هذا البرنامج الزمني، بحيث تزال جميع القيود والضوابط التي تحد من تحقيق المساواة التامة، وذلك بتحديث قرارات العمل المشترك.


آلية تحقيق السوق المشتركة
أقرّ المجلس الأعلى في دورته الرابعة والعشرين (ديسمبر 2003) آلية متابعة سير العمل في السوق المشتركة على النحو التالي:
1- تقوم اللجان الوزارية المختصة باقتراح الآليات اللازمة لاستكمال تطبيق السوق الخليجية المشتركة وفق البرنامج الزمني المحدد في قرار المجلس الأعلى في الدورة الثالثة والعشرين.
2- تكلف لجنة التعاون المالي والاقتصادي بمتابعة سير العمل في السوق الخليجية المشتركة في ضوء قرارات المجلس الأعلى والاتفاقية الاقتصادية، وتقييم المرحلة التي وصل إليها التطبيق في كل جانب من جوانبها، ودراسة ما يواجه التطبيق من عقبات واقتراح الآليات اللازمة لتذليلها.
وفي حين لم تتضمن اتفاقية عام 1981 أي ذكر مباشر للمواطنة الاقتصادية أو السوق المشتركة، فإن «الاتفاقية الاقتصادية» المطوّرة لعام 2001 تنص مباشرة على أن الهدف من تحقيق المساواة في المعاملة في المجالات العشرة الواردة فيها هو تحقيق السوق الخليجية المشتركة، كما تشير إلى تحقيق المواطنة الاقتصادية كهدف من أهدافها.
الاتحاد النقدي والعملة الموحدة
بدأت فكرة إصدار عملة موحدة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع نشأة المجلس. فقد أشارت الوثيقتان الرئيسيتان للمجلس، النظام الأساسي والاتفاقية الاقتصادية الموحدة لعام 1981م، إلى الخطوط العريضة والمعالم الأساسية والعامة لبرنامج تعاون وتكامل اقتصادي لدول مجلس التعاون.
وضمن مجالات التعاون الأخرى التي استهدفها إنشاء المجلس فقد تناولت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة مراحل التكامل الاقتصادي حيث تحدثت بالتفصيل عن منطقة تجارة حرة وتوحيد التعرفة الجمركية، وتناولت بإجمال متطلبات السوق المشتركة والاتحاد الاقتصادي والنقدي بما في ذلك مانصت عليه المادة «22» من الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بأن «تقوم الدول الأعضاء بتنسيق سياستها المالية والنقدية والمصرفية وزيادة التعاون بين مؤسسات النقد والبنوك المركزية بما في ذلك العمل على توحيد العملة لتكون متممة للتكامل الاقتصادي المنشود فيما بينها».
ومنذ ذلك الوقت بدأ العمل لتحقيق التكامل بين دول المجلس، فقد أنشئت في إطار المجلس عام 1983م لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول المجلس بهدف تنفيذ ما نصت عليه هذه المـادة وتنسيق السياسات النقدية والمصرفية، وتفرع عن لجنة المحافظين لجان متخصصة لدراسة الجوانب الفنية للتعاون والتكامل في مجالات الإشراف والرقابة والتدريب المصرفي ونظم المدفوعات.
وفي عام 2002م أنشئت لجنة الاتحاد النقدي. وبنهاية عقد التسعينات، ونظرا لتحقيق تقدم فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون ولنجاح الاتحاد الأوربي في موضوع اليورو، وانطلاقا من توجه دول المجلس لتعزيز العمل الاقتصادي المشترك وتبني آليات وبرامج زمنية لتحقيقه أعيد بحث موضوع العملة الخليجية الموحدة، وقرر المجلس الأعلى في قمته التي عقدت في مملكة البحرين في ديسمبر 2000م تبني الدولار الأمريكي مثبتا مشتركا لعملات دول المجلس في المرحلة الحالية، ووجه وزراء المالية والمحافظين بإعداد برنامج زمني لإقامة الاتحاد النقدي واصدر العملة الخليجية الموحدة.
وقد وافق المجلس الأعلى في ديسمبر 2001م على البرنامج الزمني لإقامة الاتحاد النقدي، والذي يقضي بتطبيق الدولار الأمريكي مثبتا مشتركا لعملات دول المجلس في المرحلة الحالية قبل نهاية 2002م، وهو ما تم تطبيقه بالفعل من قبل جميع دول المجلس في الموعد المحدد. كما يقضي البرنامج بأن تتفق الدول الأعضاء على معايير تقارب الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي والنقدي اللازمة لنجاح الاتحاد النقدي قبل نهاية 2005م، وذلك تمهيدا لإطلاق العملة في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 2010م، وذلك ما تناولته متطلبات الاتحاد النقدي والاقتصادي، التي نصت على أنه «بهدف تحقيق الاتحاد النقدي والاقتصادي بين دول مجلس التعاون بما في ذلك توحيد العملة، تقوم الدول الأعضاء وفق جدول زمني محدد بتحقيق متطلبات هذا الاتحاد بما في ذلك أحراز مستوى عال من التقارب بين الـدول الأعضاء في كافة السياسات الاقتصادية، لاسيما السياسات المالية والنقدية والتشريعات المصرفية ووضع معايير لتقريب معدلات الأداء الاقتصادي ذات الأهمية لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي، مثل معدلات العجز والمديونية والأسعار».
وقد أقـرّ المجلس الأعلى في دورته السادسة والعشرين (أبوظبي، ديسمبر 2005) المعايير التالية لتحقيق تقارب الأداء الاقتصادي والاسـتقرار المالي والنقدي:
(1) معايير التقارب النقدي، وتتمثل في معدلات التضخم ومعدلات الفائدة ومدى كفاية احتياطات السلطة النقدية من النقد الأجنبي.
(2) معايير التقارب المالي وتتمثل في نسبة العجز السنوي في المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وقد ناقشت لجنة المحافظين في عام 2005م وفي اجتماعها في أبريل 2006م طريقة حساب وقياس هذه المعايير وتحديد نسب العجـز والمديونية القصوى المسموح بها. كما ناقشت البدائل المقترحة للسلطة النقدية المشتركة التي ستتولى مهام اصدار العملة الخليجية الموحدة وإدارة السياسة النقدية الموحدة.
وتوصلت اللجنة إلى توصيات محددة حول هذه المواضيع. وبناء على توجيه المجلس الأعلى، سيكتمل هذا العام مناقشتها والاتفاق عليها تمهيدا لرفعها واعتمادها من القمة القادمة.
وعليه، فإنه من المتوقع أن يتم بنهاية هذا العام الاتفاق على تفاصيل معايير التقارب الاقتصادي، وعلى التشريعات والأنظمة المتعلقة بإنشاء السلطة النقدية المشتركة (مجلس نقدي يتحول إلى بنك مركزي خليجي) وتحديد مهامها وعملها وعلاقتها بالسلطات النقدية الوطنية في دول المجلس.
كما يتوقع أن يتم الاتفاق عام 2007م على مواصفات العملة الخليجية الموحدة ومسماها وأسلوب طرحها للتداول.